زينة همو… حارسة أختام عزيز الشامخ إزنزارن

في أروقة الروح حيث تتكسر الأنفاس على عتبات الأبد، تولد زينة همو كأنها نسمة من سر الغيب، لا اسمًا يُقال، بل سرًّا يُرتّل في حضرة المعنى. هي الكلمة حين تتجلّى، والصوت حين يعبر حجب الصمت إلى فضاءات الروح. على موج أثير MFM، في برنامجها “أنموگار ن ن تيفاوين د أومارگ”، لم تكن زينة تبث الحرف، بل كانت تنفخ فيه من روحها، فتستنطق الأمازيغية من سكونها، وتوقظ الحرف من غفوته، كأنها وارثة سرّ الحروف الأولى، وكأن صداها رجعُ قولٍ لم يُكتب Je بعد.

لم تكن زينة همو مجرد إعلامية، بل كانت سفيرة النور في زوايا العتمة، تنسج من الكلمات خيوطًا تتصل بالسماء، وتحفر في الأرض ممراتٍ للضوء. تلوِّن الأثير بصوتٍ يحمل ثقل التاريخ وخفة الروح، كمن تسير في خطى العاشقين الذين أضناهم الحنين إلى أصلهم الأول، فتُذيب المسافة بين الحرف والنبض، بين الصمت والبوح.

وفي مدارج القدر، جاء لقاؤها بإزنزارن الشامخ، لا مصادفة، بل مكيدة حبّ دبّرها الغيب. لم يكن زواجهما رباطًا دنيويًا، بل كان عهدًا نُقش بحروف تيفيناغ، أول عهد يُكتب بهذا السر المقدس في المغرب سنة 2010. لم يُثقل هذا العهد بذهبٍ أو فضة، بل كان درهمًا رمزيًا، كأنها تُلقي على الدنيا دروس الفناء، وتهمس بأن المهر الحقيقي هو الكلمة التي تُقال في حضرة القلب، لا ما يُسطر في دفاتر الأرض. كانت تقول بلا صوت: إن العشق هو ما يُكتب بالنور، لا بالحبر، وما يُحفر في الأرواح، لا في الأوراق.

غير أن زينة لم تكتفِ بأن تكون صدى في الأثير، بل انطلقت أناملها تُداعب نسيج الزمان، تغزل الأزياء الأمازيغية بخيوط تنهل من الذاكرة وتنساب إلى المستقبل. ليست أقمشة ما تصنعه، بل طقوسٌ تُرتّل، كأنها تخيط ثوبًا للروح، أو تطرّز وجه الزمن بآياتٍ صامتة. كل خيط في تصميمها وترٌ في معزوفة خفية، وكل لون فيها إشراقُ سرٍّ قديم، كأنها تستحضر من غياب الرومي رقصة النور، وتستأنس بصمت النفري وهمس التجلي.
زينة همو… ليست امرأةً تمشي على الأرض، بل هي أثرٌ يمضي بين الحرف والإيقاع، بين القماش والصوت، بين الجبل والريح. هي القصيدة إذا استيقظت، والأغنية إذا بكت، والنور إذا تدفق على صفحة الوجود بلا قيود. ففي حضرتها، تنحني الكلمات خجلاً، وتنسحب الألوان إلى الظل، لأن زينة ليست شيئًا يُقال أو يُرى، بل سرٌّ يُعاش.




