هادشي بزاف

سلطان باليما.. أكبر محتال عرفه المغرب و أبرز ضحاياه الملك الراحل الحسن التاني

 

يعرف أهل مدينة الرباط وكذا كل زائر لها مقهى شهيرا بها، يعرف بمقهى “باليما” موجود بالطابق الأرضي لفندق باليما بشارع محمد الخامس أمام محكمة الاستئناف، قبل أن تتحول هذه الاخيرة الى مقر للبرلمان.

هذا الشخص الذي ينحدر من وزان اختار أسلوبا خاصا للقيام بعملياته، ويتجلى في نوعية اللباس الذي كان يرتديه والذي كان لباسا مخزنيا، تشبها باللباس السلطاني، قبل ان يتم منعه من ارتداء لباسه المخزني.،
إذ كان يوهم ضحاياه انه من اﻻسرة الملكية ويدعي أحيانا انه مسؤول بالتشريفات الملكية وأحيانا ينتحل صفات أخرى اثناء ممارساته لعملية من عملياته المتعددة والمتنوعة، حيث كان يختار ضحاياه بعناية فائقة ويستهدف بالخصوص اﻻثرياء والميسورين الطامحين والطامعين في الجاه والسلطة، او المتزلفين لهذه اﻻخيرة او أصحاب المظالم الذين يبحثون عن منقذ والذين كان يتصيدهم ويبتزهم، مقابل إيهامهم بانه سوف يتدخل لفائدتهم وانه سيساعدهم على إيجاد حل لمظالمهم، من موقعه كمقرب من اﻻسرة الملكية وقد كان مظهره وهندامه المخزني يبعث على اﻻطمئنان، كما كان بمثابة الضمانة اﻻساسية في نظر الضحايا الذين لم يكونوا يبخلون عليه بتقديم عموﻻت محترمة وهدايا ذات قيمة مادية كبيرة، وخاصة منهم الوافدين على العاصمة من مناطق المغرب النائية، حيث كان يختلي بهم داخل المقهى ليصرفهم وهم مطمئنون على مصائر قضاياهم، ليعودوا الى مناطقهم يغمرهم اﻻمل والتفاؤل في انتظار الذي قد يأتي أوﻻ يأتي.

وكان محمد الوزاني الذي أصبح فيما بعد يحمل لقب سلطان “باليما”، من بين الذين شدوا الرحال إلى العاصمة الفرنسية، مرتديا زيه المعتاد، مما أثار فضول الصحافة الفرنسية، حيث بادرت جريدة “ألفيغارو” الى أخذ تصريح منه، أكد فيه انه ينتمي إلى الاسرة العلوية الشريفة، وأن له رأيا يجب اعتباره فيما يتعلق بقضية استقلال المغرب وعودة السلطان الشرعي إلى عرشه، حيث تفاجأ المسؤولون الفرنسيون قبل المغاربة بهذا التصريح الصادر عن شخص نكرة ،لا علاقة له من قريب وﻻ من بعيد بالفاعلين المعروفين على الساحة السياسية الوطنية، وبما انه وزاني فقد كان له عطف فطري، على زعيم حزب الشورى والاستقلال محمد بلحسن الوزاني، ومن ثم فانه لم يكن على ود مع غريمه حزب الاستقلال الذي كان هو اللاعب الاساسي على مسرح الاحداث يومئذ، بل كان يسمي كل السذج والمغفلين ب “بقر علال” ،مما جعل اﻻبواب مغلقة في وجه هذا الشخص المتطفل، ومن هنا بدأت رحلته، حيث اختار اللجوء الى أسلوب أخر ﻻنتزاع حقه من كعكة الاستقلال، واختار مقهى “باليما” مقرا لمغامراته، مستغلا حماس المغاربة وسذاجتهم كذلك، حيث اخذوا يتوافدون تباعا، على العاصمة من مختلف الجهات، للتعبير عن فرحتهم بعودة بطل التحرير محمد الخامس، وحيث إن الوزاني كان يتوفر على قدر ﻻباس به من الوعي السياسي، فقد كان يتصل بكل من توسم فيه أن لديه وضعا اجتماعيا معتبرا، ليوهمه انه من الأسرة الملكية، وانه سوف يساعده على تحقيق كل مأربه، خاصة وان الظرف كان مناسبا وان المغرب في حاجة إلى من يملأ فراغ انسحاب اﻻطر الفرنسية من اﻻدارة المغربية، حيث لعاب الجميع كان يسيل ليكون هو البديل، ومن هنا بدأت الحكاية بل الحكايات مع مغامرات السلطان الشرعي ل “باليما” التي سنعرض ﻻهمها في سياق الحديث عن هذه الشخصية المسرحية المثيرة.

كان السلطان باليما يعلم بتحركات الملك الراحل الحسن الثاني ,  و ذلك من خلال أعين و مخبرين موجودين  في كل مكان , فعند علمه بحلول زيارة ملكية لمكان ما يقوم بالتوجه إلى تلك المدينة و يختار ضحية فيها و التي تكون غالبا من الأثرياء أو ذوي النفوذ , و بعد أن يقوم بتحرياته , غالبا ما يجد شيئا مشينا في حياة تلك الشخصية , فيقصده بلباسه المخزني و يضيف عليه بعض الأوسمة التي هي قطعا غير أصلية و ممتطيا سيارة فاخرة إما مكتراة أو أنه إستلفها من عند أحد معارفه و تكون بسائق خاص ,  فيذكر السلطان باليما لذلك الشخص خبيئته التي لا يود أن يعلمها عنه أحد و يقول له إن الملك الحسن الثاني على علم بهذا الأمر و يوكد له أنه الوحيد القادر على حمايته  من غضبة ملكية , فيأخذ منه السلطان باليما ما يريد و يغادر تلك المدينة أو المنطقة محملا بغنائم كثيرة .

في إحدى المرات ذهب السلطان باليما إلى إحدى ضيعات الحسن الثاني بهندامه المعتاد و بسيارة فاخرة كالعادة , فهما أهم سلاحان من أسلحة النصب و الإحتيال لديه ,  و إستطاع أن يستولي على أبقار من ضيعة الحسن الثاني و بيعها لأحد كبار الفلاحين , و في مرة أخرى إستولى على بعض الغلة من ضيعة أخرى يملكها الملك الراحل بعد أن حملها في شاحنة وغادر .
كان السلطان باليما يصرح لضحاياه أنه قادر على حل أي مشكلة من أي نوع بحكم قربه من الملك الحسن الثاني أو حتى شقيقه الأمير مولاي عبد الله , و يؤكد على أنه بإستطاعته أن يخرج أي شخص من السجن و لو كان بتهم ثقيلة , و كذلك يؤكد لهم أنه بإمكانه توظيف الناس في مناصب مهمة كالباشاوات أو على رأس القيادات , و هو ما كان له فعلا بحكم إستراتيجيته العبقرية التي كان يتبناها في تنفيذ مخططاته .
 أن تملك مثل هذه الشجاعة بأن تقوم بالإستيلاء على شيء يخص الحسن الثاني , و ما أدراك ما الحسن الثاني فأنك محتال محترف بقلب ميت , و لقد قيل أن الملك الحسن الثاني كان يعلم ربما بهذه الأمور , لكنه كان يتركه بحكم أن ضحاياه كانوا من الفاسدين و كان يحب أن يرى و يسمع ما يفعله بهم , لدرجة أن الملك الراحل علم بما فعله في ضيعته و لم يعاقبه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى