أش واقع

مهرجان العيون : السينما والثقافة الحسانية

إلى جانب عروض المسابقة الرسمية العشرة وأفلام مختبر الصحراء الثلاثة عشر وحفلي الإفتتاح والإختتام ، تضمن برنامج الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني ، التي احتضنها قصر المؤتمرات بمدينة العيون من 18 إلى 21 دجنبر 2017 ، أنشطة ثقافية صباحية موازية تمثلت في تنظيم ورشة تكوينية في موضوع ” صناعة الفيلم الوثائقي ” (ثلاث حصص) وجلستان لمناقشة أفلام المسابقة (غاب عنهما أربعة من المخرجين : سعيد آزر وفريدة بورقية وأسماء المدير ومحمد رائد المفتاحي) وندوتان لمساءلة طبيعة العلاقة بين السينما والثقافة الحسانية (اتصال أم انفصال ؟) .

 

الندوة الأولى للمهرجان :

تحت عنوان ” سبل الرقي بالثقافة الحسانية ونقلها إلى الشاشة الكبرى ” نظمت ، صباح الثلاثاء 19 دجنبر 2017 ، الندوة الأولى لمهرجان الفيلم الوثائقي الثالث حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني . وقد سير هذه الندوة العلمية باقتدار محمد مصطفى القباج ، الأستاذ الباحث في الفلسفة وعلوم التربية ورئيس لجنة دعم تنظيم المهرجانات والتظاهرات السينمائية ، وشارك فيها تباعا بمداخلات أحمد عريب ، الناقد والمؤرخ السينمائي المعروف ، ومحمد بوزنكاط ، الأستاذ الجامعي ، وباه النعمة ، الباحث المتخصص في الثقافة الحسانية .

أثيرت في هذه الندوة العديد من القضايا والإشكالات المرتبطة بالهوية الثقافية المركبة للمغرب ، وبالمكون الثقافي الحساني على وجه الخصوص ، وتناول بعض المتدخلين الغنى والتنوع الذي تزخر به ثقافة الصحراء ، والتقصير الملحوظ في نقل جوانب من هذه الثقافة إلى شاشات السينما والتلفزيون بطرق إبداعية تنم عن فهم دقيق ومقبول لطبيعة هذه الثقافة وخصوصياتها .

ولم يفت المسير والأساتذة المتدخلين والجمهور النوعي ، الذي تابع أشغال الندوة وشارك بأسئلته وأفكاره وملاحظاته في إغنائها ، التساؤل والإلحاح على ضرورة الوعي بأهمية هذه الثقافة والعناية بها وصيانة مكوناتها من التلف وتوثيقها بكل الوسائل المتاحة ، بما فيها السينما والسمعي البصري ، وإخضاعها للدراسة والتحقيق العلميين لتوفير مثون صالحة للتوظيف في مختلف الإبداعات حفظا لها أولا ، وتعريفا على نطاق واسع بها وبما تزخر به من قيم كونية ونفحات روحية ومضامين فكرية وعصارات تجارب وجودية وإبداعية  وغيرها ثانيا .

ومما لاشك فيه أن السينما لها دور مهم في التعريف بثقافات الشعوب ، وفي هذا الصدد لوحظ أن عدد الأفلام المغربية التي تحضر فيها الثقافة الحسانية بقوة لا يزال قليلا جدا ، ومن هنا تم تثمين تخصيص جانب من المال العمومي لدعم إنتاج هذا النوع من الأفلام وإحداث مهرجان العيون للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني للتعريف بها . كما تمت المطالبة بالرفع من حجم هذا الدعم والعمل على تطوير مهرجان العيون ليصبح رافعة للتنمية السينمائية بالأقاليم الجنوبية للمملكة .

وفي نفس الإطار تم التأكيد على ضرورة استعانة الفاعلين السينمائيين وغيرهم بخبرات المتخصصين في مجالات الثقافة الحسانية المختلفة وبمبدعيها ورموزها لإنتاج أعمال  تعكس بصدق ودراية جوهر هذه الثقافة ولا تسيء إليها بسبب غياب الفهم الصحيح لها . ولن يتم ذلك إلا من خلال مأسسة الإهتمام بهذه الثقافة وإشراك أهلها والمتمكنين من دواليبها في كل القرارات والسياسات التي تروم النهوض بها آنيا ومستقبلا .

الندوة الثانية للمهرجان :

نظمت هذه الندوة الثانية صباح الأربعاء 20 دجنبر 2017 ، من طرف ” نادي منتجي ومهنيي السمعي البصري والسينما ” ، وتمحور موضوعها حول ” الثقافة الحسانية من الشفاهي إلى الصورة ” . سيرها محمد فاضل الجماني وشارك فيها بمداخلات رئيس النادي المذكور سيدي محمد الإدريسي والأستاذ الباحث لحبيب عيديد والدكتور اسويدي تيمكليت الأستاذ الباحث في التواصل .

أثيرت في المداخلات الثلاث ومن خلال أسئلة وملاحظات الجمهور النوعي الذي تتبع أشغال الندوة مجموعة من الأفكار يمكن إجمال أهمها فيما يلي :

أولا، تسويق العديد من المغالطات عن الثقافة الحسانية منها اعتبارها كلها ثقافة شفاهية ، في حين أن هناك ركام من المخطوطات والوثائق المكتوبة تنتظر من يحققها ويخرجها إلى العلن . ومنها كذلك اختزال ثقافة الصحراء في اللباس والخيمة والشعر والغناء … ، والصحيح أن هذه الثقافة غنية ومتنوعة الجوانب ، شأنها في ذلك شأن ثقافات أخرى ، والدليل على ذلك ما أنجز من دراسات قيمة من طرف متخصصين بلغات مختلفة منذ المرحلة الكولونيالية وما أصدره ” مركز الدراسات الصحراوية ” بالرباط من كتب ومنشورات .

ثانيا، يروج عند الكثيرين أن سكان الصحراء لا يشاهدون الأفلام والواقع أن العيون وباقي مدن الجنوب شهدت في تاريخها إحداث مجموعة من القاعات السينمائية منذ عهد المستعمر الإسباني لايزال بعضها قائما إلى الآن لكن في حالة عطالة ، كما نظمت ببعض فضاءاتها عروض للأفلام في الهواء الطلق من طرف القوافل السينمائية .

ثالثا، الجمهور الذي يحج عادة لمشاهدة الأفلام المعروضة في إطار مهرجان العيون اعتبره البعض قليلا ، والسبب حسب أحد المتدخلين يرجع إلى غياب الأفلام التي بإمكانها أن تشده إليها بمواضيعها وطرق معالجتها ، وكذلك إلى غياب الدعاية الكافية.

هذا مع العلم أن واقع المشاهدة بدأ يعرف بعض التحولات بفضل الأنشطة السينمائية التي انخرط فيها مجموعة من الشباب وعلى رأسهم التقنيون المنتسبون إلى ” نادي منتجي ومهنيي السمعي البصري والسينما ” والمستفيدون من مشروع ” مختبر الصحراء ” ، وهذا الواقع مرشح للتطور والتحسن إذا أحدث مركب ثقافي ومعهد للتكوين وكثرت التظاهرات السينمائية المتنوعة .. وفق سياسة شمولية تروم تشجيع الثقافة والفنون وتسعى إلى خلق نواة لصناعة سينمائية بالمنطقة .

رابعا، لا يزال محتشما التعاطي بالصورة (السينمائية وغيرها) مع الثقافة الحسانية رغم بعض المبادرات الفردية وما تقوم به قناة العيون التلفزيونية من مجهودات ، فعدد الأفلام المصورة بالمنطقة يعتبر قليلا إذا ما قورن بمناطق أخرى داخل البلاد . وفي هذا الإطار ومن أجل تأسيس ثقافة الصورة بالمنطقة تم اقتراح إحداث جائزة لتشجيع أبناء الصحراء ، مخرجين ومنتجين وكتاب سيناريو وغيرهم ، على التعاطي السينمائي والسمعي البصري مع الموروث الثقافي الصحراوي الحساني شريطة تنويع مصادر الدعم والتمويل .

خامسا، التكنولوجيات الجديدة في الإعلام والتواصل سهلت عمليات تدوين التراث الثقافي الحساني بالصورة والصوت والتعريف به والحفاظ عليه ونقله من جيل لآخر ، إلا أن الإنفتاح على هذه التكنولوجيات الجديدة وتوظيفها في التعاطي مع التراث الحساني المادي واللامادي تحف به مخاطر في غياب المتمكنين تقنيا ومعرفيا ، وفي غياب إعطاء الأولوية للعارفين بثقافة المنطقة وتضاريسها الجغرافية وتقريب الهوة بين المثقفين والممارسين للإبداع بالصورة .

أفلام مختبر الصحراء :

تم خارج المسابقة الرسمية عرض الأفلام القصيرة التالية :  ” البني ملك الألوان ” (20 د) لزين العابدين النفلالي ، ” واد نون ” (8 د) لمينة هنيان ، ” وتستمر الحياة ” (14 د) لمحمد أحمد بجيجة ، ” أمشكاب ” (19 د) لمليكة ماء العينين ، ” آز ” (13 د) لنجيب منير ، ” صليل الصمت ” (15 د) لجواد بابيلي ، ” جوف الغرد ” (8 د) لسالم بلال ، ” فاطمة ” (23 د) لليلى أمينزوي ، ” الشجرة ” (9 د) للشيخ محمد حرمة ، ” تكمي ن إغرن ” (6 د) لليلى عطاء الله ، ” شور ” (11 د) لعمر ميارة ، ” طان طان طان ” (9 د) لسعداني ماء العينين ، ” صدى الصوت ” (15 د) لمحمد فاضل الجماني . وهذه العناوين ما هي إلا نماذج مختارة من الأفلام التي أبدعها شباب مغاربة من الأقاليم الجنوبية ، حول جوانب من ثقافة الصحراء وسكانها ، في إطار مشروع مختبر الصحراء الذي انطلق سنة 2015 وأطر دوراته التكوينية سينمائيون مغاربة وأجانب في مختلف التخصصات وأشرف عليه بشكل خاص المخرج حكيم بلعباس والناقد حمادي كيروم والسينمائي الأمريكي دون سميث .

وقد أنجزت هذه الأفلام وغيرها بتمويل ذاتي في حدوده الدنيا ، وخلفت صدى طيبا لدى جل من شاهدوها لحظة برمجتها وعرضها في بعض المهرجانات السينمائية المنظمة ببلادنا ، كالمهرجان الوطني للفيلم ومهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي بطنجة ومهرجان الرباط لسينما المؤلف ومهرجان ورزازات الجامعي الدولي لسينما الشباب ومهرجان العيون …

ولعل الجوائز التي حصلت عليها بعض هذه الأفلام (فيلم ” آز ” لنجيب منير بمهرجان ورزازات الثالث مؤخرا ، نموذجا) تبشر بمستقبل واعد للأفلام الوثائقية وغيرها بأقاليمنا الجنوبية ، وتؤشر على بداية تشكل نواة سينما مغربية جديدة بإمكانيات ووسائل بسيطة لكن برؤى ولمسات إبداعية لا تخلو من جدة وأصالة وعمق إنساني .

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضرورة التكوين السينمائي ، نظريا وعمليا ، لفائدة شباب المناطق الجنوبية ، وذلك لسد الطريق في وجه ” صيادي الدعم العمومي ” الذين فشلوا لحد الآن في إنجاز أفلام ، حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني ، مشرفة فنيا وبعيدة كل البعد عن الابتذال . ولعل الورشة التي أطرها الأستاذ الجامعي حميد العيدوني حول ” صناعة الفيلم الوثائقي ” بتنسيق مع ” نادي منتجي ومهنيي السمعي البصري والسينما ” بإمكانها أن تؤتي أكلها إن استمرت مستقبلا على شكل دورات تكوينية منتظمة يساهم في تأطيرها أساتذة ومختصون في المجال . فالأستاذ العيدوني راكم تجربة معتبرة في التأطير كمدير لمجموعة الأبحاث والدراسات السينمائية والسمعية البصرية بكلية الآداب بمرتيل ، التابعة لجامعة عبد الملك السعدي ، وكمؤسس لماستر السينما الوثائقية والدكتوراه في الدراسات السينمائية وكمدير للمهرجان الدولي لمدارس السينما بتطوان . خطوات مختبر الصحراء وورشة العيدوني ينبغي أن تتلوها خطوات أخرى في انتظار إحداث مركز للتكوين السينمائي والسمعي البصري بأقاليمنا الصحراوية الجنوبية .

تجدر الإشارة إلى أن مهرجان العيون من تنظيم المركز السينمائي المغربي بتنسيق مع السلطات المحلية (ولاية العيون الساقية الحمراء) والمنتخبة (جهة العيون الساقية الحمراء والجماعة الحضرية للعيون) والفاعلين في الحقل السينمائي والسمعي البصري بالأقاليم الجنوبية (نادي منتجي ومهنيي السمعي البصري والسينما) ، وهو عبارة عن تظاهرة سينمائية ذات طابع فني وثقافي تهدف إلى ما يلي :

أولا، التعريف بالأفلام الوثائقية التي تعنى بالتاريخ والثقافة والمجال الصحراوي الحساني والترويج لها .

ثانيا، التحفيز بالأقاليم الجنوبية على إنتاج الأفلام الوثائقية بشكل خاص والأفلام السينمائية عموما .

ثالثا، خلق فضاء للقاء والحوار بين المنتجين السينمائيين من شمال المغرب وجنوبه .

رابعا، العمل على إبراز التنوع الجهوي والمجال الجغرافي المحلي ، تثمينا للهوية المغربية وتعزيزا لإشعاع المغرب حضارة وثقافة وتاريخا .

أحمد سيجلماسي-العيون-المغرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock